فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال بعضهم: قوله: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} وقوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} مختص بمن أطاع أو عصى في هذه التكاليف المذكورة في هذه السورة، وقال المحققون: بل هو عام يدخل فيه هذا وغيره، وذلك لأن اللفظ عام فوجب أن يتناول الكل.
أقصى ما في الباب أن هذا العام إنما ذكر عقيب تكاليف خاصة، إلا أن هذا القدر لا يقتضي تخصيص العموم، ألا ترى أن الوالد قد يقبل على ولده ويوبخه في أمر مخصوص، ثم يقول: احذر مخالفتي ومعصيتي ويكون مقصوده منعه من معصيته في جميع الأمور، فكذا هاهنا والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قرأ نافع وابن عامر: {ندخله جنات} {ندخله نارا} بالنون في الحرفين، والباقون بالياء.
أما الأول: فعلى طريقة الالتفات كما في قوله: {بَلِ الله مولاكم} [آل عمران: 150] ثم قال: {سَنُلْقِى} [آل عمران: 151] بالنون.
وأما الثاني: فوجهه ظاهر. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الراغب: ووصف الفوز بالعظم اعتبار بفوز الدّنيا الموصوف بقوله: {قل متاع الدنيا قليل} والصغير والقليل في وصفهما متقاربان. اهـ.

.سؤال وجوابه:

هاهنا سؤال وهو أن قوله: {يُدْخِلْهُ جنات} إنما يليق بالواحد ثم قوله بعد ذلك {خالدين فِيهَا} إنما يليق بالجمع فكيف التوفيق بينهما؟
الجواب: أن كلمة {من} في قوله: {وَمَن يُطِعِ الله} مفرد في اللفظ جمع في المعنى فلهذا صح الوجهان. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} وفى سورة المائدة: قوله تعالى: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين} وفى آخر هذه السورة قوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنهم ذلك الفوز العظيم} وفى سورة براءة: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}، وفى آية منها فيما بعد قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} وفى سورة ابراهيم: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم}، وفى سورة الكهف: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب...} الآية وفى سورة الحديد: {بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم} وفى سورة المجادلة: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} وفى سورة الصف: {يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن}
وفى سورة الطلاق: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} وفى سورة البروج: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} وفى سورة البريئة البينة: {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه}. فهذه ثلاث عشرة آية يجمعها التعريف بالجزاء الأخراوى للمؤمنين والإشارة إلى حال الجزاء ووصفه وقد عرض فيها مما يسأل عنه مما اتفقت فيه أو اختلفت وانفرد به بعضها دون بعض ست سؤالات.
الأول: وهو اتفاق أكثرها في ذكر الخلود وقد كثر اختلافهما فيما سوى ذلك.
والجواب عنه: أن وجه اتفاق أكثرها على ما ذكر أن كل نعيم ينقطع فليس بنعيم في الحقيقة وكذلك العذاب وهذا واضح فلولا الخلود لما كان نعيما فلهذا كثر ترداده مع ضروب الجزاء.
والسؤال الثانى:
ما وجه اجتماع الرضا والتأييد في الآية الثانية من المائدة وثانية براءة وآية البريئة ولم يجمع بينهما في البواقى؟
ووجه ذلك والله أعلم أن هذه الآيات على ما يذكر:
أما آية المائدة فقد قال تعالى فيها: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم}، وورد التصديق لعيسى عليه السلام فوسمهم فيها بالصدق وهو أسنى حالات الإيمان وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فالصدق حال الأنبياء والرسل وأولى السوابق.
وأما الآية الثانية من سورة براءة ففيها: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} وسبقية هؤلاء رضوان الله عليهم وما عرف من حالهم وأنهم صفوة المحسنين من هؤلاء الأمة معلوم ملحق لهم بنمط الأعلين من الصادقين من أتباع الرسل فلما كان المشار إليهم في الآيتين هم الأسوة والقدوة لمن سواهم ناسب حالهم الإطناب فذكر الرضا والتأييد ولم يقع في الآيات البواقى وصف يلحق أصحابه بهؤلاء وإن شملهم الرضا والخلود في الجنة لكن تحديد الذكر والإفصاح بالمقدر المفهوم من سياق الكلام وعمومه له حكم قد بين في نحو قوله: {وجبريل وميكائيل} وبابه.
وأما الآية البريئة فإنها على حكم مقتضى الترتيب الثابت آخر آية ذكر فيها حال المؤمنين في الجزاء الأخراوى معقبا به ذكر جزاء من كان في طرف من حالهم من مستوجبى النار على التأييد فكانت هذه الآية مظنة استيفاء للحال فوردت ورود الآيتين قبلها.
والسؤال الثالث:
وهو ما وجه تخصيص الآيات الأربع: آية المائدة والثانية من سورة براءة وآية الطلاق وآية البريئة بذكر التأييد مع الخلود فقيل: {خالدين أبدا}. ولم يقع ذلك في البواقى؟
والجواب عن ذلك: استدعاء هذه المواضع الأربعة ذكر ذلك. أما آية المائدة وثانية براءة فلما بنيتا عليه من الإطناب، ولما حمل فيهما على جمع التأييد والرضا حسبما تقدم في السؤال قبل هذا، وأما آية الطلاق فوجه ذكر التأييد فيها ما تكرر في هذه السورة من ذكر غايات بينها قوله تعالى: {قد جعل الله لكل شيء قدرا} فلما أشارت آى السور إلى غايات ونهايات ناسب ذلك التعريف بأن خلود الجنة متأبد لا انتهاء له ولم يجمع بينه وبين ذكر الرضا إذ لم يجتمع لمن ذكر هنا ما اجتمع لأولئك الموصوفين في آية المائدة وثانية براءة ولم يبلغوا مبلغهم.
وأما آية البريئة فإنها كما تقدم ختام حال الفريقين فاقتضت الاستيفاء.
والسؤال الرابع:
ما وجه تخصيص آية المجادلة بالرضا فقط دون التأييد؟
والجواب عنه: أن المذكورين في هذه الآية قد وصفوا بما يلحقهم بأعلى نمط وذلك قوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} ثم قال: {أولئك حزب الله} ثم قال: {ألا إن حزب الله هم المفلحون} والفلاح الفوز والظفر ببغية الراغب وحيث يذكر الفوز فهو مغن عن ذكر التأييد إلا أن يقصد الإطناب ولذلك لم يقع ذكر التأييد في آية النساء والأولى من براءة وسورة الحديد والمجادلة إذ الفلاح فوز فذكر الفوز أو الفلاح مغن عن ذكر التأييد فلم يجمع بينهما، ولما لم يذكر في آية الطلاق الفوز ولا ما يرادفه لم يكن بد من ذكر التأييد.
فإن قلت: فإن مقصود آية المجادلة الإطناب فلم لم يجمع فيها بين التأييد والرضا؟
قلت: عدل إلى أوصاف حصل منها خصوص وإطناب فوقع الاكتفاء بها والله أعلم.
والسؤال الخامس:
وهو وجه نخصيص آية المجادلة بقوله: {أولئك حزب الله} ووجه ذلك أنه قوبل به قوله فيمن قبل: {أولئك حزب الشيطان} ثم لما طال الكلام بهذا المسوق للمقابلة مع دلالته ودلالة ما قدم من كتب الإيمان والتأييد بروح منه سبحانه وذكر الفلاح لم يحتج إلى ذكر {أبدا} كما أشير قبل.
والسؤال السادس:
قد تحصل جوابه وهو اختصاص التأييد فقط بآية الطلاق. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)}.
حدوده: أوامره ونواهيه، وما تعبَّد به عباده.
وأصل العبودية حفظ الحدود، وصون العهود، ومَنْ حَفظَ حَدَّه لم يُصِبْهُ مكروه ولا آفة، وأصلُ كلِّ بلاء مجاوزة الحدود. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}.
الأحكام المتقدمة والأمور السابقة كلها حدود الله، وحين يحدّ الله حدودا.. أي يمنع أن يلتبس حق بحق، أو أن يلتبس حق بباطل؛ فهو الذي يضع الحدود وهو الذي فصل حقوقا عن حقوق.
ونحن عندما نقوم بفصل حقوق عن حقوق في البيوت والأراضي فنحن نضع حدودا واضحة، ومعنى حد أي فاصل بين حقين بحيث لا يأخذ أحد ما ليس له من آخر. والحدود التي نصنعها نحن والتي قد لا ينتبه إليها كثير من الناس، هي نوعان: نوع لا يتعدى بالبناء، فعندما يريد واحد أن يبني، فالأول يبني على الأرض التي هي حق له، ويكون الجداران ملتصقين بعضهما ببعض. وعندما يزرع فلاح بجانب فلاح آخر فكل فلاح يزرع في أرضه وبين القطعتين حد، وهذا يحدث في النفع.
لكن لنفترض أن فلاحا يريد أن يزرع أرزا، وجاره لن يزرع أرزا، فالذي لن يزرع الأرز قد تأخذ أرضه مياها زائدة، فالمياه تصلح للأرز وقد تفسد غيره، ولذلك يكون الحكم هنا أن يقيم زارع الأرز حدا اسمه حد الجيرة ليمنع الضرر، وهو ليس حد الملكية فزارع الأرز هنا ينقص من زراعته مسافة مترين، ويصنع بهما حد الجيرة، حتى لا تتعدى المياه التي يُروي بها الأرز إلى أرض الجار. إنه حد يمنع الضرر، وهو يختلف عن الحد الذي يمنع التملك.
إذن فمن ناحية حماية الإنسان لنفسه من أن يوقع الضرر بالآخرين عليه أن ينتبه إلى المقولة الواضحة: لا تجعل حقك عند آخر حدك، بل اجعل حقك في الانتفاع بعيدا عن حدك، وهذا في الملكية. وذلك إذا كان انتفاعك بما تملكه كله سيضر بجارك. وكذلك يعاملنا الله، ويقول في الأوامر: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وفي النواهي يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] أي أنك إذا ما تلقيت أمرا، فلا تتعد هذا الأمر، وهذه هي الملكية، وإذا ما تلقيت نهيا فلا تقرب الأمر المنهي عنه. مثال ذلك النهي عن الخمر، فالحق لا يقول: لا تشرب الخمر، وإنما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}. أي لا تذهب إلى المكان الذي توجد فيه من الأصل، كن في جانب وهذه الأشياء في جانب آخر.
ولذلك قلنا في قصة أكل آدم من الشجرة: أقال الحق: لا تأكلا من الشجرة؟ أم قال ولا تقربا هذه الشجرة؟ سبحانه قال: {وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ} [الأعراف: 19] وهذا حد اسمه حد عدم المضارة إنه أمر بعدم الاقتراب حتى لا يصاب الإنسان بشهوة أو رغبة الأكل من الشجرة.